رِسَالة في حِكَاية المباحَثَة مَعَ عُلمَاء مَكَّة في حَقِيْقة دعْوَة الشَّـيْخ مُحمَّد بْن عَبْد الوَهَّابِ -رحمه الله-

المؤلف: أ.د. صالح بن عبد العزيز سندي جميع بحوث المؤلف

المقدمة

الحمد لله المتفرد بكبريائه وعظمته، المتوحد بصمديته وألوهيته، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير خليقته، وعلى آله وصحابته، أما بعد:

فإن أعظم العلوم موضوعًا، وأقومها أصولاً وفروعًا، وأقواها حجة ودليلاً، وأجلاها محجة وسبيلاً: علم التوحيد؛ إذ التوحيد أصلُ الدين وجماعه، وظاهره وباطنه، وأوله وآخره.

وإن من نعم الله المتتابعة أن قيض لهذا التوحيد عصابة من أوليائه الموحدين المخلصين، فوفقهم إلى التمسك بعروته الوثقى وحبله المتين، فلم يزالوا للحق ناظرين، وبه ظاهرين، ولله ولرسوله –عليه الصلاة والسلام- ناصرين، وللباطل وأهله دامغين.

وإن من أعلام أولئك الميامين: الإمام المجدد لما اندرس من معالم الدين: محمد بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله رحمة واسعة؛ فقد نهض بدعوة سلفية على منهاج النبوة، كانت امتدادا للإسلام الحق بصفائه ونقائه، أشرق ضياؤها في قلب جزيرة العرب، وامتد نورها إلى مشارق الأرض ومغاربها.

وقد سطر هذا الإمام الجليل خلاصة دعوته في قوله: (( بل أقول –ولله الحمد والمنة وبه القوة–: إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم، ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً ، وما كان من المشركين، ولست –ولله الحمد– أدعو إلى مذهب صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم -مثل ابن القيم، والذهبي، وابن كثير، أو غيرهم- بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي أوصى بها أول أمته وآخرهم، وأرجو أني لا أردّ الحق إذا أتاني، بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه: إن أتانا منكم كلمة من الحق، لأقبلنّها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي ، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقول إلا الحق))([1]).

ولقد شرق بدعوة الشيخ فئام من أعداء الحق وأنصار الباطل؛ فنسجوا حولها الأباطيل والأكاذيب، وسعوا إلى اصطناع الحجب الكثيفة، حتى تحول بين الناس وبين هذه الدعوة المباركة، ولم يضروا بهذا إلا أنفسهم؛ فالحق أبلج، وأنصاره منصورون، والباطل داحض، وأتباعه مقهورون، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وهذه الرسالة التي أقدم لها شاهدٌ صادق؛ يبين حقيقة هذه الدعوة، ويدفع مفتريات خصومها، ويجيب عن الإشكالات التي قد تورد عليها، رقمها عالم جليل، تميز بكونه أقرب الناس إلى الإمام، وأعلمهم بعقيدته ودعوته؛ ألا وهو ابنه الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وغفر له.

هذا وإن أهم ما دفعني إلى تحقيق هذه الرسالة: قيمتها العلمية العظيمة؛ فهي على وجازتها من أفضل ما كُتب في تجلية حقيقة الدعوة الإصلاحية، ومن أجمع ما يكشف دعاوى معانديها، لا سيما وأنها تضمنت موافقة علماء البلد الحرام –مكة المشرفة- لما قامت عليه ودعت إليه.

فهي باختصار: وثيقة موجزة لمنهاج الدعوة الإصلاحية.

ومع الاسف؛ فإن النسخ المطبوعة منها لم تخلُ من أخطاء وتصحيفات؛ فليس للرسالة - على أهميتها- نسخة سليمة تمامًا، هذا عدا عن تجرد تلك النسخ من العناية العلمية التي تسهل الانتفاع بها.

فأرجو أن يكون في خدمتها الخدمة العلمية اللائقة بها، ونشرها في أوساط المسلمين، نفع كبير لهم، والتوفيق بيد الله.

وقد قسمت عملي في الرسالة إلى قسمين:

القسم الأول: قسم الدراسة، وجعلته في مبحثين:

المبحث الأول: ترجمة المؤلف.

وقد ترجمت فيه للمؤلف ترجمة مختصرة؛ تناولت فيها اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته، وطلبه للعلم، وتلامذته، وعقيدته، ومذهبه، ومكانته العلمية، وثناء العلماء عليه، ومصنفاته، ووفاته.

المبحث الثاني: التعريف بالرسالة.

وقد تناولت فيه إثبات نسبة الرسالة لمؤلفها، واسمها، وموضوعها، وقيمتها العلمية، والنسخ المعتمدة في التحقيق، ثم منهجي في التحقيق.

وقد كتبت جميع ذلك برسم الإيجاز؛ حتى لا يطغى القسم الدراسي على النص المحقق؛ إذ هو المقصود.

القسم الثاني: تحقيق النص.

وفيه أوردت النص محققًا.

وقد بذلت وسعي في أن يكون في أقرب صورة لما كتبه المؤلف، مع التعليق عليه بما يخدمه، ويزيد الانتفاع به.

والله تعالى المسئول أن يجعل هذا العمل خالصًا صوابًا نافعًا، وأن يدّخر لي أجره موفورًا يوم لقائه، وأن يثقل به ميزاني، ويبيض به وجهي؛ إن ربي قريب مجيب.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

   

 

( [1] ) الدرر السنية (1/37).

Location